تعرب المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه عن رفضها القاطع لمشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب في مصر، الذي وافقت عليه مؤخرًا لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري. من المتوقع طرح هذا المشروع للنقاش والتصويت في الجلسة العامة القادمة لمجلس النواب، وذلك في سياق تمرير مجموعة من التشريعات الحساسة، التي تعيد تشكيل جزء مهم من البنية التشريعية القانونية المكملة للدستور بشكل متسارع ودون مشاركة مجتمعية حقيقية، ولا استشارة واسعة لأصحاب الشأن أو الخبرة.
يُعتبر هذا المشروع المعني بتنظيم حقوق اللاجئين امتدادًا لسياسات الإقصاء التي تتجاهل أصحاب المصلحة من اللاجئين وممثليهم والمنظمات الحقوقية والأممية، إذ تم تقديمه دون إشراك الشركاء الدوليين أو منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال حماية اللاجئين، والتي تتولى عبء إدارة منظومة تحديد موقف اللجوء وتقديم المساعدات لمجتمعات اللاجئين منذ عقود، بالتعاون مع- أو بالنيابة عن الدولة في بعض الأحيان.
غياب المعايير الدولية
يعكس مشروع القانون غياب معايير واضحة لاختيار وتدريب الموظفين في اللجنة المزمع تشكيلها للإشراف على عملية اللجوء، وكذلك المعايير التي ستستند إليها اللجنة في إصدار قراراتها. يثير هذا الأمر قلقًا بشأن مدى توافق هذه المعايير مع الاتفاقيات الدولية لحماية اللاجئين، والتي تستند إليها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إدارتها لمنظومة تحديد موقف اللجوء وتقديم المساعدات للاجئين، وهي المعايير الدولية القائمة على اتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1967، إضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969. ويعكس غياب تلك المعايير عن مشروع القانون المطروح مخاوف تتصل بمستوى الحماية المطبق في مصر حال إقراره بمعزل عن الاتفاقيات والمعايير الدولية التي التزمت بها مصر عند توقيعها على هذه الاتفاقيات.
فراغ انتقالي
تخبرنا الخبرات المماثلة للدول التي قامت بانتقال ناجح من تفويض الأمم المتحدة إلى العمل وفق منظومة لجوء وطنية، أنها احتاجت إلى العمل بالتوازي مع المفوضية السامية لفترة انتقالية إلى أن تستطيع المنظومة الوطنية القيام بتلك المهام بشكل يتسق مع الالتزامات القانونية والإنسانية. تجاهل مشروع القانون النص على فترة انتقالية تتناسب مع حجم المهمة، بل أنه تجاهل بالكامل وجود منظومة قانونية قائمة، ولا يتضمن المشروع أي إشارة إلى إجراءات لتنظيم الانتقال السلس إلى المنظومة الجديدة، مفترضًا فيما يبدو أنها عملية لحظية تتم بشكل تلقائي فور صدور القانون. إلا أن الواقع العملي أن إنشاء بنية قانونية لتسجيل ملتمسي اللجوء وتحديد صفة اللجوء وإدارة البيانات وحمايتها عملية بالغة التعقيد قانونيًا ولوجيستيًا، وتحتاج إلى فترة إعداد وتأهيل طويلة وإلى تعاون لصيق مع الجهات التي اضطلعت بهذه المهمة لفترة تقترب من الخمس عقود.
استقلالية اللجنة
يُثير مشروع القانون القلق بشأن استقلالية اللجنة، التي تُشكَّل من رئيس مجلس الوزراء وممثلين عن وزارات حكومية، فضلًا عن تمويلها من الميزانية العامة للدولة. مما يجعل أعضاءها موظفين عموميين غير مستقلين، بعكس الوضع القائم التي تقوم فيه المنظومة الأممية المستقلة إلى حد ما بتنفيذ القوانين واللوائح المعنية بتحديد وضع اللاجئ، بغض النظر عن التوجه السياسي للحكومات المتعاقبة.
إن انعدام الاستقلالية، المتزامن مع منح صلاحيات كاملة لهذه اللجنة وبضمانات محدودة في إدارة عملية اللجوء، يهدد اللاجئين الحاليين وملتمسي اللجوء عند بدء عمل اللجنة. ويمنح المشروع للجنة الحق في طلب “اتخاذ ما تراه من تدابير” تجاه اللاجئين الذين تم تحديد صفة اللجوء الخاصة بهم ومنحهم الحماية القانونية في حالات طارئة ليست معرفة بدقة، مما يثير مخاوف مجتمع اللاجئين الذي يعاني من ممارسات متكررة من قبل السلطات المصرية، سواء في عمليات الترحيل القسري، أو في الحملات على مجتمعات تحمل جنسية محددة، أو غير ذلك من التجاوزات القانونية التي تحفل بها ممارسات الشرطة المصرية.
مخاوف بشأن الحقوق الأساسية
يتضمن المشروع توسيعًا غير مبرر للصلاحيات الممنوحة للجنة في إسقاط صفة “لاجئ” لأسباب تتعلق بمصطلحات فضفاضة كـ”الأمن القومي”. وبسبب الطبيعة شديدة العمومية والغموض لمصطلح “الأمن القومي”، فإن هذا التوسع قد يُستغل لتقييد حقوق اللاجئين بشكل مفرط ومن دون أي رقابة حقيقية. يمكن استخدام هذه المصطلحات بشكل استثنائي وغير مبرر لتضييق نطاق الحماية المقدمة للاجئين، ما يعرّض هؤلاء الأفراد لخطر الإعادة القسرية أو غيرها من الانتهاكات، ويفرغ الحماية التي منحتها النصوص المعرفة لحقوق اللاجئ من معناها عمليًا.
ويُلاحَظ من نصوص مشروع القانون أنه يَقصُر حقوقًا أساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية والسكن، على من يحملون صفة اللاجئ، وهذا يستثني طالبي اللجوء من هذه الحقوق الحاصلين على حماية مؤقتة إلى حين البت في مواقفهم، وبالتالي ترتفع عنهم مظلة الحماية الاجتماعية، ويجعلهم عرضة للاستغلال أو الابتزاز من مقدمي هذه الخدمات، فضلا عن انعدام الأمان.
كما يغفل مشروع القانون حماية بيانات اللاجئين، ما يُعرّض معلوماتهم الشخصية لخطر الكشف وسوء الاستخدام. ويعد الحفاظ على سرية البيانات من الحقوق الاساسية التي يجب حمايتها، خاصةً بالنسبة للأفراد الذين قد يكونون في وضع هش بسبب تعرضهم لانتهاكات أو تهديدات أمنية في بلدانهم الأصلية. وإفشاء هذه المعلومات الحساسة قد يعرض اللاجئين لمخاطر متعددة.
كما نعرب في بياننا هذا عن تخوفنا من أن مشروع القانون، رغم التزامه الظاهري بالاتفاقيات الدولية، لم يأخذ بعين الاعتبار المشكلات الحقيقية التي يعاني منها اللاجئون في مصر. فبدلاً من أن يتضمن مواد تشجع على دمج اللاجئين في المجتمع والاستفادة من إمكانياتهم، اتجه المشروع نحو تقليص فرص الاندماج، وفرض عقوبات قاسية على أفعال غير واضحة، مثل ما يُسمى بمخالفة الأمن العام والنظام العام، أو ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، متجاهلًا بذلك الحقوق السياسية التي يكفلها القانون الدولي للاجئين.
السياق الخارجي
لا يمكن فصل مشروع القانون عن الاتفاقيات والشراكات المستمرة بين مصر والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء منذ عام 2014، فهو ليس نابعًا من إرادة مصرية داخلية حقيقية لحل قضايا اللاجئين، أو لوضع إطار قانوني شامل يتيح دمجهم في المجتمع. فمنذ اتفاقية الخرطوم ومرورًا بمشاريع التعاون في “حوكمة الهجرة والسيطرة على الحدود”، وصولًا إلى اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي بلغت قيمتها 7.4 مليار يورو، منها أكثر من 200 مليون يورو مخصصة لضبط الهجرة، بدا واضحًا أن هذه التشريعات تستجيب لضغوط خارجية. هذه الشراكات، التي سبق لمنصة اللاجئين في مصر أن وصفتها بأنها “مضاعفات لشراكة فاشلة وقاتلة“، تفتقر إلى الشفافية، إذ لا يُعلن عن تفاصيلها أو تُحدد بنود واضحة تلتزم باحترام حقوق الإنسان.
ختامًا
في ضوء ما سبق، تعلن المؤسسات الحقوقية الموقعة أدناه رفضها التام لمشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب في مصر بصيغته الحالية. وترى أن المشروع لا يقدم حلولًا حقيقية للتحديات الأساسية التي يواجهها اللاجئون، بل يزيد من تعقيد الإجراءات ويقلل من فرص حصولهم على الحماية والخدمات. كما أنه يتجاهل تمامًا ضرورة التخطيط لمرحلة انتقالية تسمح ببناء منظومة قانونية ولوجيستية متماسكة، بدون تعطيل الإجراءات القانونية التي تشرف عليها مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في الوقت الحالي، ما قد يتسبب في فوضى قانونية وإهدار للحقوق والحمايات التي يستظل بها مجتمع اللاجئين قبل تمرير القانون.
تطالب المنظمات الموقعة بإعادة مشروع القانون إلى اللجنة المختصة وفتح نقاش حقيقي ومتأني حول نصوص المشروع بمشاركة الخبراء والمختصين، وتعديل مواده بما يضمن حماية حقوق اللاجئين وفقًا للمعايير الدولية. كما نطالب بضرورة توفير ضمانات شفافة لآليات عمل اللجنة المقترحة في مشروع القانون، ووضع خطة انتقالية شاملة من شأنها ضمان حقوق اللاجئين وعدم انقطاع الخدمات المقدمة لهم.
إن المجتمع الحقوقي يتعامل بمسؤولية مع التشريعات المصرية المقترحة، إيمانًا منه بأهمية التعاطي البنَّاء مع قضايا الشأن العام، رغم تجاهل السلطات المصرية الدائم لهذا التعاطي الإيجابي، وقد أصدرت منصة اللاجئين في مصر والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ورقة تحليلية تفصيلية، تتناول الآثار المحتملة والمتوقعة لمشروع القانون المقترح على أوضاع اللاجئين في مصر، بالإضافة إلى ملخص سياسات يستعرض أهم المشاكل الواردة في مشروع القانون. كما أصدرت المفوضية المصرية المصرية للحقوق والحريات تعليقًا على المشروع القانون. ونأمل أن تجد هذه الجهود المبذولة من مؤسسات المجتمع المدني استجابة وتعاطيًا بنّاءً من السلطة التشريعية في مصر.
____
المنظمات الموقعة:
منصة اللاجئين في مصر
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
مركز النديم
الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
المنبر المصري لحقوق الإنسان
مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
معهد تحرير لسياسات الشرق الأوسط
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
مؤسسة قضايا المرأة
عنخ
ايجيبت وايد لحقوق الإنسان
هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
جمعية تقاطع لحقوق الإنسان
التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا
ريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير
National Representative Council of Eritrea-GIE
Sea-Watch e.V.
MV LOUISE MICHEL PROJECT
Maldusa Project
migration-control.info project
Femena