بينما تعقد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا “القمة الأولى من نوعها” بين الاتحاد الأوروبي ومصر بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 22 أكتوبر الجاري، تدعو المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه الزعماء الأوروبيين إلى الاعتراف بالمكانة المركزية لحقوق الإنسان في تحقيق أهداف القمة المتعلقة بــ “الاستقرار والازدهار المشتركين.”
منذ الإعلان عن “الشراكة الاستراتيجية والشاملة الجديدة” بين الاتحاد الأوروبي ومصر في مارس 2024، تواصل السلطات المصرية سياسات القمع المنهجي والتنكيل بالمعارضة السلمية، فضلاً عن تنامي انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين، دون أي تصحيح جدي للمسار.
يقول كلاوديو فرانكافيلا، نائب مدير قسم الاتحاد الأوروبي في هيومن رايتس ووتش: “لا ينبغي أن تتجاهل قيادات الاتحاد الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة بحق الشعب المصري تحت حكم السيسي. وعلى أوروبا أن تستغل نفوذها لضمان إصلاحات حقيقية طال انتظارها، وأن تكون الحكومة المصرية مسئولة أمام شعبها، ومُلزمة باحترام حقوقه والوفاء بها”.
في الآونة الأخيرة اتخذت السلطات المصرية بعض الإجراءات المحدودة ذات الطابع الرمزي، من بينها الإفراج عن الناشط المصري البريطاني علاء عبد الفتاح بعد 6 سنوات من السجن الجائر بسبب نشاطه السلمي، وإحالة الرئيس مشروع قانون الإجراءات الجنائية مرة أخرى للبرلمان لمراجعة محدودة، لم تسفر في النهاية عن أي تعديلات تُذكر تضمن توافق القانون مع المعايير الدولية. بينما في المقابل، تواصل السلطات احتجاز المعارضين تعسفيًا، وإصدار أحكام قاسية بحقهم، بعد محاكمات غير عادلة. ففي عام 2025، أحالت السلطات المصرية نحو 6000 شخص إلى المحاكمةبتهم تتعلق بالإرهاب، معظمهم على خلفية ممارسة حقوقهم الأساسية. كما تتواصل جرائم الإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون على يد قوات الأمن، وسط إفلات شبه تام من العقاب؛ فضلاً عن مخاوف جدية بعد تقارير حقوقية حول وجود مقابر جماعية في منطقة عسكرية في شمال سيناء، دون أي تحقيق رسمي حتى الآن.
وبالمثل، تتصاعد ممارسات القمع العابر للحدود التي تنتهجها السلطات المصرية، بما في ذلك قمع البعثات الدبلوماسية للمتظاهرين السلميين في بعض دول الاتحاد الأوروبي. كما تواصل قوات الأمن المصرية، التي تحصل على تمويل من الاتحاد الأوروبي، احتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء تعسفيًا،وإعادتهم قسرًا لمجرد تعثر أوضاعهم القانونية.
ورغم تلقي الحكومة المصرية وعودًا بتمويلات تتجاوز 50 مليار دولار من المانحين الدوليين والمقرضين والمستثمرين خلال عامي 2024-2025 – تم صرف معظمها بالفعل – لا تزال ترفض إعطاء الأولوية للوفاء بالتزاماتها الدستورية بشأن الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية كالصحة والتعليم. وبينما تتفاقم أعباء المعيشة على عشرات الملايين من السكان تحت خط الفقر أو على مقربة منه، تواصلالحكومة المصرية تطبيق تدابير تقشفية، وسط غياب شبكات كافية للحماية الاجتماعية، مما يترك ملايين الأشخاص دون الدعم المطلوب.
يقول تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط: “رغم التحديات الهائلة التي تواجه مصر، فإن الوعي والقدرات الكامنة لدى الشعب المصري أكبر بكثير. فإذا أمتنعتالسلطات المصرية عن القمع، واحترمت حق المواطنين في مناقشة احتياجاتهم وأوضاعهم بحرية ونقد، فإنهم قادرون تمامًا على الوقوف على الحلول المطلوبة والمضي نحو مستقبل واعد يعالج عقودًا من الأزمات والفقر والهجرة القسرية”.
المنظمات الموقعة أدناه تدعو قادة الاتحاد الأوروبي إلى استغلال فرصة “الشراكة الاستراتيجية” مع مصر للضغط من أجل إصلاحات هيكلية ضرورية لحماية واحترام وإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية للشعب المصري، بما في ذلك التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق، والفساد، وانعدام الشفافية، وغياب الرقابة المحلية على سياسات الحكومة؛ وهي عوامل تعيق أي إصلاح اقتصادي حقيقي أو مساءلة فعالة.
تقول سمر الحسيني، مديرة المنبر المصري لحقوق الإنسان: “مصر لا تحتمل الانتظار عامين آخرين حتى القمة المقبلة للبدء في الإصلاحات، على أمل تفادي دورة جديدة من الأزمات الاقتصادية والمالية، ومخاطر الاضطرابات الناجمة عن القمع المستمر والمعاناة. يجب على حلفاء مصر مطالبة السيسي بإفساح المجال لمناقشة سياسات الدولة؛ فتح المجال العام من خلال رفع القيود المفروضة على الإعلام والمجتمع المدني وحرية التعبير والأحزاب السياسية، ووضع حد للاعتقالات التعسفية، وسرعة الإفراج عن السجناء السياسيين على أساس معايير حقوق الإنسان”.
خلفية:
في 29 يونيو 2024، وقّعت مصر مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي بشأن تقديم دعم مالي قيمتهمليار يورو. ومع ذلك، فشلت السلطات المصرية في اتخاذ “خطوات ملموسة وذات مصداقية نحو احترام الآليات الديمقراطية الفاعلة، بما في ذلك نظام برلماني متعدد الأحزاب، وسيادة القانون، وضمان احترام حقوق الإنسان”، وهي شروط كان الاتحاد الأوروبي قد حددها كمتطلبات أساسيةلصرف قيمة الدعم. ورغم ذلك، تلقت مصر هذه الأموال في نهاية عام 2024.
وفي يونيو 2025، وافق مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان على عملية دعم مالي جديدة لمصر بقيمة 4 مليار يورو، تلتها مفاوضات بشأن مذكرة تفاهم جديدة، يُقال إنها اكتملت في أكتوبر 2025.
المنظمات الموقعة:
• مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
• مؤسسة عنخ
• لجنة حماية الصحفيين
• المنبر المصري لحقوق الإنسان
• الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
• إيجيبت وايد لحقوق الإنسان
• الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان
• هيومن رايتس ووتش
• مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
• منصة اللاجئين في مصر
• معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط
