بعد السيطرة على مجلس الشيوخ، «قائمة الدولة» تخوض المنافسة منفردة في انتخابات مجلس النواب
تستنكر «مؤسسة دعم القانون والديمقراطية» و«هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية» الإقصاء السياسي الممنهج ضد المعارضة السياسية في مصر، وحرمان المرشحين المعارضين والمستقلين من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، واستمرار السلطات المصرية في إغلاق المجال العام وتقييد الحق في المشاركة السياسية، بما يؤدي فعليًا إلى قصر المنافسة الانتخابية على فئات محدودة تحظى بدعم أو رضا مؤسسات الدولة.
وتستعد السلطات المصرية لإجراء انتخابات مجلس النواب خلال شهري نوفمبر وديسمبر ٢٠٢٥، في مناخ مشابه لذلك الذي جرت فيه انتخابات مجلس الشيوخ وانتهى بسيطرة تامة للدولة على المجلس، حيث تخوض «القائمة الوطنية من أجل مصر» المنافسة منفردة مجددًا، وتستعد للفوز بجميع مقاعد نظام القوائم بالتزكية، عقب استبعاد السلطات لكافة القوائم المنافسة، إلى جانب إقصاء عدد من المرشحين البارزين على مقاعد الفردي.
حيث استبعدت الهيئة الوطنية للانتخابات قد في ٢٣ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٥ قوائم «حزب الجيل»، و«القائمة الشعبية – صوتك لمصر»، و«نداء مصر» من سباق المنافسة في انتخابات مجلس النواب. كما استُبعد ١٨١ مرشحًا من الترشح على المقاعد الفردية، من بينهم شخصيات عامة وأعضاء في أحزاب معارضة وبرلمانيون سابقون، أبرزهم عضوا حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، النائب السابق هيثم الحريري، والسياسي محمد عبد الحليم علي، إلى جانب ثلاثة مرشحين من حزب النور. كما شُطب المتحدث السابق باسم حملة المرشح الرئاسي أحمد طنطاوي، محمد أبو الديار، من قاعدة بيانات الناخبين، الأمر الذي حرمه من حقه في خوض الانتخابات.و
وكانت انتخابات مجلس الشيوخ التي أُجريت في أغسطس/آب ٢٠٢٥ قد شهدت استبعاد ٤١ مرشحًا من القوائم النهائية للمرشحين على مقاعد الفردي، وذلك لأسباب زعمت السلطات أنها تتعلق بعدم استيفاء شروط الترشح. أما في نظام القائمة فأجريت الانتخابات بمشاركة قائمة واحدة فقط، وهي «القائمة الوطنية من أجل مصر»، التي تضم تحالفًا من أحزاب بقيادة حزب «مستقبل وطن» الموالي للسلطة والمؤيد للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقد أظهرت النتائج التي أُعلنت في أغسطس/آب ٢٠٢٥ سيطرة كاملة للدولة على المجلس، في ظل نسبة مشاركة منخفضة بلغت ١٧% بحسب الهيئة الوطنية للانتخابات، إذ فازت «القائمة الوطنية من أجل مصر» المدعومة من الحكومة بجميع مقاعد نظام القوائم البالغ عددها ١٠٠ مقعد بالتزكية، كما حصد مرشحوها نحو ٩٥% من المقاعد الفردية، البالغ مجموعها ١٠٠ مقعد. وإلى جانب تعيين رئيس الجمهورية ١٠٠ عضو إضافي، أصبحت الدولة تهيمن بشكل مطلق على المجلس المؤلف من ٣٠٠ عضو.
وجاء قرار استبعاد البرلماني السابق هيثم الحريري بذريعة تتعلق بخدمته العسكرية، رغم تقديم هيئة دفاعه مستندًا رسميًا صادرًا عن وزارة الدفاع يثبت إعفاءه من التجنيد وفقًا لأحكام القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٨٠، وهو الإعفاء ذاته الذي خاض به انتخابات عام ٢٠١٥ ووصل خلالها إلى مرحلة الإعادة. هذا القرار يقوّض معايير الفحص والتحقق لدى الهيئة الوطنية للانتخابات ويطرح شكوكًا جدية حول التزامها بضمانات الترشح القانونية، أما المرشح محمد عبد الحليم علي، فقد تم استبعاده بناءً على تحليل مخدرات مثير للجدل، رغم تقديمه لاحقًا تحليلًا سلبيًا صادرًا عن الجهة الطبية نفسها، بما ينال من سلامة الإجراءات وحياد الجهة الإدارية. وهو السبب نفسه الذي استخدم لاستبعاد ثلاثة من مرشحي حزب النور بدعوى عدم أدائهم الخدمة العسكرية، من بينهم السيد مصطفى خليفة نائب رئيس الحزب. كما تم استبعاد المرشح أحمد الشربيني، عضو حزب الدستور، قبل أن يُقبل طعنه ويُعاد إدراجه لاحقًا في القوائم وفق ما أعلنه الحزب. وفي سياق متصل أعلن المحامي محمد أبو الديار – المتحدث الرسمي السابق باسم حملة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي – بحذف اسمه من قاعدة بيانات الناخبين، ما حال دون تمكنه من الترشح أو حتى ممارسة حقه في التصويت، رغم امتلاكه شهادة رسمية حديثة تُقر بإدراج اسمه. ورُفض الطعن الذي قدّمه على قرار الاستبعاد استنادًا إلى حكم قضائي غيابي في «القضية المعروفة إعلاميًا باسم قضية توكيلات أحمد الطنطاوي»، وهي القضية التي أحيلت من نيابة أمن الدولة العليا. وتثير هذه الواقعة ضرورةَ تدقيقٍ مستقلٍّ لسجلّ الناخبين، مع إتاحة آلية تصحيح سريعة وموثّقة وشفافة لدرء إسقاط الحقوق السياسية بقرارات إدارية.
تأتي هذه التطورات في سياق أوسع من القيود الممنهجة المفروضة على الحق في المشاركة السياسية والتعددية الحزبية منذ أكثر من عقد. فبعد التحوّل السياسي الكبير الذي شهدته البلاد في يوليو/تموز ٢٠١٣، وما أعقبه من تولّي عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، شهدت مصر واحدة من أشدّ فترات الانكماش الديمقراطي في تاريخها الحديث، والتي اتسمت بتقييد واسع لحرية التعبير والحريات الإعلامية، وملاحقة منظمات المجتمع المدني، ومحاولات فرض قبضة أمنية محكمة عليها، إلى جانب مصادرة حق التظاهر. وقد امتد هذا النهج ليشمل ملاحقة العديد من السياسيين الذين أعلنوا نيتهم خوض الانتخابات الرئاسية المتتالية، وكان آخرهم البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، الذي تعرّض هو وأعضاء حملته للملاحقة القضائية والسجن، عقب حرمانه من خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أُجريت عام ٢٠٢٣.
ورافق ذلك حزمة من القوانين والتعديلات التشريعية والممارسات التي قوّضت المسار الديمقراطي، وقيّدت حرية المشاركة السياسية وتأسيس الأحزاب والعمل النقابي المستقل، وأحكمت السيطرة على الإعلام والمجتمع المدني، ما أدى إلى سجن أو نفي مئات النشطاء والسياسيين. وكان من أبرز هذه الإجراءات التعديلات الدستورية التي تم تمريرها عقب استفتاء مشكوك في نزاهته في عام ٢٠١٩، والتي وسعت صلاحيات الرئيس السيسي ومددت فترات حكمه، إلى جانب حزمة من القوانين المقيدة، من بينها قانون النقابات العمالية رقم ٢١٣ لسنة ٢٠١٧ وتعديلاته، وقانون الخدمة المدنية رقم ١٨ لسنة ٢٠١٥، وقانون تنظيم الإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨، وقانون التظاهر سيئ السمعة رقم ١٠٧ لسنة ٢٠١٣، وقانون مكافحة الإرهاب رقم ٩٤ لسنة ٢٠١٥، وقانون تنظيم الجمعيات الأهلية. وقد أثارت هذه القوانين مجتمعةً اعتراضًا واسعًا من منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية، نظرًا لتعارضها مع مبادئ الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
يأتي هذا التصعيد في وقت تسعى فيه السلطات إلى تلميع سجلها خارجيًا عبر «الشراكة الاستراتيجية الشاملة الجديدة» مع الاتحاد الأوروبي (قمة ٢٢ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٥)، فيما تكشف وقائع استبعاد المرشحين عن تناقض صارخ بين الخطاب الرسمي والممارسة الداخلية. وسط مطالبات حقوقية إلى قادة الاتحاد الأوروبي بإدراج ملف حقوق الإنسان كشرط أساسي في أي شراكة استراتيجية مع مصر، مؤكدًا أن “الاستقرار لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن احترام الحقوق المدنية والسياسية.”
ورغم الوعود الرسمية بإجراء “انتخابات تعددية”، فإن النمط المستمر منذ انتخابات الرئاسة عامي ٢٠١٩ و ٢٠٢٤ والبرلمانية السابقة يكشف عن منظومة انتخابية مغلقة تُدار تحت إشراف الأجهزة الأمنية، مع غياب فعلي لأي منافسة حقيقية أو إشراف قضائي مستقل. وتتكرر الممارسات ذاتها من رفض أوراق الترشح بحجج واهية، وضغوط أمنية على الحملات، وحملات تشويه ممنهجة ضد المعارضين، بما يجعل تكافؤ الفرص مستحيلًا في المناخ الحالي.
وإلى جانب مخالفة هذه الممارسات لالتزامات مصر الدولية، فإنها تمثل انتهاكًا صريحًا للدستور المصري، الذي تنص مواده (٤) و(٥) و(٨٧) و(٩٤) على أن السيادة للشعب، وأن النظام السياسي يقوم على التعددية، وأن المشاركة في الحياة العامة حق وواجب وطني لا يجوز مصادرته، وأن خضوع الدولة للقانون هو أساس الحكم في الدولة. وتؤكد المادتان (٩٢) و(٩٣) من الدستور أن الحقوق والحريات لا يجوز تعطيلها أو الانتقاص منها، وأن الدولة ملتزمة بالاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها، وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص مادته (٢٥) على حق كل مواطن في المشاركة في الشؤون العامة والترشح في انتخابات حرة ونزيهة. كما تُعد إخلالًا بواجبات الهيئة الوطنية للانتخابات المنصوص عليها في القانون رقم ١٩٨ لسنة ٢٠١٧، والذي يُلزمها بالحياد التام وضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، إضافةً إلى الالتزام بالشفافية وإتاحة المعلومات والبيانات للعموم، وتمكين المرشحين من ممارسة حقهم في الطعن ضمن آجال محددة وواضحة وملزمة. كما تتنافى هذه الممارسات مع أحكام قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٤، لاسيما ما يتعلق بسلامة ونزاهة الجداول الانتخابية وضمان حق الطعن، ومع المادة (١٣) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، التي تكفل لكل مواطن الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده.
إن مجلس الشيوخ، الذي أُعيد تأسيسه عام ٢٠٢٠، كان من المفترض أن يشكّل مساحة حقيقية للتعددية التشريعية والحوار الوطني، لكنه تحوّل فعليًا إلى كيان صوري يُستخدم لتجميل مشهد سياسي مغلق. وعلى نحو مماثل، فقد تراجع مجلس النواب عن أداء دوره الرقابي والتشريعي المنصوص عليه في المواد (١٠١) و(١٠٢) من الدستور، وتحول إلى مؤسسة تصادق على قرارات السلطة التنفيذية دون رقابة فعالة.
ويُظهر المناخ الذي تصر السلطات في مصر على أن يحيط بانتخابات ٢٠٢٥ أنها عازمة على المضي قدما في التعامل مع العملية الانتخابية كإجراء شكلي، لا كآلية للتداول السلمي للسلطة أو تعزيز المساءلة الدستورية. وتشير التحضيرات الجارية لانتخابات ٢٠٢٥ إلى إعادة إنتاج منظومة السيطرة نفسها التي سادت في دورات ٢٠١٥ و٢٠٢٠، مع استبعاد الأصوات المستقلة والمعارضة مبكرًا، بما يُفرغ المجلسين معًا من جوهر التمثيل الشعبي ويقوّض مبدأ الفصل بين السلطات.
إن هذا التراجع المتزامن في دور المؤسستين التشريعيتين يختزل الحياة البرلمانية في واجهة شكلية ويكرّس تركّز السلطة في يد الجهاز التنفيذي والأمني، في مخالفة صريحة لجوهر النظام الجمهوري والديمقراطي المنصوص عليه في الدستور. كما أن استمرار هذا النمط يُفرغ الاستحقاقات من مضمونها الدستوري ويقوض مبدأ التداول السلمي للسلطة، بما يستلزم إجراءات فورية للتصحيح وضمان النزاهة.
وتطالب «مؤسسة دعم القانون والديمقراطية» و«هيومينا» السلطات المصرية بما يلي:
أولًا: العملية الانتخابية
- وقف قرارات الاستبعاد وإعادة إدراج جميع المرشحين المستبعدين فورًا.
- ضمان بيئة انتخابية عادلة وشفافة تكفل تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين.
- تمكين منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية من مراقبة الانتخابات دون قيود.
- وقف توظيف القضاء والنيابة العامة لتصفية الخصوم السياسيين، وتمكين الطعون أمام دوائر مستقلة ومحايدة.
- ضمان إشراف قضائي كامل على جميع مراحل العملية الانتخابية، وإتاحة المعلومات الانتخابية بشفافية للرأي العام.
ثانيًا: الحقوق المدنية والسياسية
- الكفّ عن التدخلات الأمنية التي تغلق المجال العام وتقوّض التعددية الحزبية.
- الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين المحتجزين على خلفية قضايا رأي أو نشاط سياسي سلمي.
- ضمان حرية النشر والتعبير عن الآراء السياسية دون ترهيب أو ملاحقة.
- إنهاء الرقابة الأمنية على وسائل الإعلام، رفع الحجب عن المواقع الإخبارية المستقلة، وتمكين وسائل الإعلام من العمل بحرية.
- تمكين الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية المستقلة من ممارسة أنشطتها دون تدخل أو قيود أمنية.
- رفع القيود المفروضة على الاجتماعات العامة والتجمعات السلمية، وضمان الحق في التظاهر السلمي طبقًا للدستور.
ثالثًا: إصلاحات تشريعية
- احترام أحكام الدستور والالتزامات الدولية، ولا سيما المادة (٢٥) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- تعديل القوانين المقيدة للحريات، بما في ذلك قانون التظاهر سيئ السمعة، الجمعيات الأهلية، مكافحة الإرهاب، وجرائم تقنية المعلومات.
- إشراك منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات في عملية صياغة التشريعات والسياسات العامة.
