أغسطس 27, 2025
3

تُدين مؤسسة دعم القانون والديمقراطية بشدة استمرار السلطات المصرية في نهجها العدائي المتصاعد تجاه حرية التعبير على الإنترنت. فبالإضافة إلى سياستها الممنهجة في حجب المواقع والصحف الإلكترونية، تشن السلطات حملات أمنية متواصلة تستهدف صانعي المحتوى، كان آخرها الحملة التي استهدفت تطبيق “تيك توك” وأسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن 7 من صانعي المحتوى وتقديمهم للنيابة العامة بموجب اتهامات فضفاضة، مثل “الاعتداء على قيم الأسرة المصرية”.

وجاءت تلك الحملة إثر تقدّم عدد من المحامين والمواطنين بعشرات البلاغات، ضمن ما تمّت تسميته “حملة تطهير المجتمع”، إلى الإدارة العامة لحماية الآداب وقطاع تكنولوجيا المعلومات ومكتب النائب العام. وأعقب ذلك القاء القبض على عدد من صناع المحتوى البارزين كان من بينهم “سوزي الأردنية، أم سجدة، أم مكة، شاكر محظور، محمد خالد الشهير بـ مداهم، علياء قمرون”. ووجّهت النيابة إليهم تهمًا بالتحريض على الفسق، ونشر مقاطع خادشة للحياء العام، والتربح غير المشروع من بث المحتوى الإلكتروني، إلى جانب حيازة مواد مخدرة في بعض القضايا.

ومنذ سنوات طويلة، تتجاهل النيابة العامة مطالب المجتمع المدني بالتصدي لإساءة استخدام حق التقاضي في قضايا الحسبة الدينية والسياسية والاجتماعية، التي تسمح بها السلطات في مصر وتستخدمها من أجل شرعنة القيود الشديدة التي تفرضها على الحريات العامة في البلاد ومنحها دعمًا وتأييدًا شعبيًا. ومؤخرًا، تطوّر دور النيابة العامة من متقاعس إلى داعٍ، عبر دعوة المواطنين في مايو ٢٠٢٥ إلى تقديم بلاغات ضد المحتوى المخالف للآداب العامة، وخصصت أرقامًا لتلقي البلاغات، مما يوسّع من الجهات والأفراد الذين يمكنهم ملاحقة حرية التعبير والزجّ بأصحاب الرأي وصناع المحتوى في السجون.

لقد أدّى تساهل السلطات في مصر مع قضايا الحسبة تارة، واستخدامها كأداة تارة أخرى، إلى تحويلها إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب أصحاب الرأي وصناع المحتوى والمبدعين، ووسيلةٍ للترهيب والملاحقة، يُستخدم فيها القانون كغطاء لتكميم الأفواه. والأخطر من ذلك أن هذا المناخ شجّع بعض هواة الشهرة على احتراف قضايا الحسبة، فتفرّغوا لتتبّع المحتوى على الإنترنت وتقديم البلاغات بالجملة، مدّعين حماية الأخلاق، وناصبين أنفسهم أوصياء على المجتمع المصري، يحدّدون له ما يليق وما لا يليق، مستخدمين الحسبة لمحاصرة حرية التعبير والإبداع، بدلًا من أن يمتنعوا ببساطة عن مشاهدة ما لا يناسبهم.

وتزامنًا مع تلك الحملة الأمنية، تقدّمت نائبة برلمانية بطلب رسمي لمجلس النواب لحظر تطبيق “تيك توك” في مصر، فضلًا عن تصريح رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأن منصة “تيك توك” أمامها مهلة نهائية مدتها 65 يومًا لتوفيق أوضاعها وفقًا للقانون، مؤكدًا أن عدم الالتزام سيقابَل بإجراءات صارمة، ما يكشف رغبة جامحة لدى أجهزة وسلطات الدولة المختلفة لمحاصرة كافة وسائل التعبير الرقمي وإخضاعها لسيطرة الدولة.

وتؤكد المؤسسة أن ما يجري هو حلقة جديدة في مسلسل مستمر منذ سنوات، تُوظَّف فيه أجهزة الدولة، وعلى رأسها النيابة العامة ووزارة الداخلية، سلطتها لتجريم التعبير الرقمي. ويتم ذلك من خلال التوسّع المفرط في تطبيق المادة 25 من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والتي تُستخدم لمعاقبة أي محتوى يُخالف الصورة النمطية المفروضة للسلوك والمظهر والتعبير، رغم أنها تفتقر للصياغة الدقيقة وتتنافى مع مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص واضح ومحدد”.

وتنص المادة 65 من الدستور المصري صراحة على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة”، وأن لكل إنسان الحق في التعبير “بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”، وهي حماية تتسق مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدّقت عليه مصر في عام 1982، ويكفل حرية التعبير “بأي وسيلة يختارها الفرد، وبغض النظر عن الحدود”، بما يشمل التعبير عبر الإنترنت والمنصات الرقمية.

وتعتبر المؤسسة أن هذه الحملة لا تُعبّر فقط عن استهداف للحريات، بل تُجسّد محاولة ممنهجة لإعادة قولبة المجتمع وفق تصور أحادي للهوية والسلوك الأخلاقي، يُقصي أي تعبير يخرج عن هذا القالب، حتى لو كان فرديًا أو رقميًا أو شكليًا. وهذا يتعارض مع التزامات مصر الدولية بحماية الحق في حرية التعبير، والتنوع الثقافي، وحرية المظهر الشخصي، كما نصّت عليها مواثيق الأمم المتحدة والتقارير التفسيرية الصادرة عن المقرّرين الخاصين المعنيين بحرية الرأي والتعبير.

تؤكد المؤسسة أن حرية التعبير، بما في ذلك التعبير الرقمي، هي حق غير قابل للتفاوض، ومحمي بموجب الدستور المصري والمواثيق الدولية الملزِمة. واستخدام القانون كأداة لتطويع الأفراد وإخضاعهم لمعايير أخلاقية غامضة وغير خاضعة للمساءلة، يُشكّل خطرًا جسيمًا على سيادة القانون ومبادئ العدالة وكرامة الإنسان.

وتطالب مؤسسة دعم القانون والديمقراطية بـ: التصدي لقضايا الحسبة بصورها المختلفة؛ الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين بسبب ممارستهم حقهم المشروع في التعبير الرقمي؛ وقف استخدام المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لتجريم حرية التعبير؛ ضمان عدم إحالة أي فرد إلى المحاكمة استنادًا إلى تهم فضفاضة مثل “قيم الأسرة”، بما يخرق مبدأ الشرعية الجنائية؛ فتح تحقيق مستقل في الانتهاكات الإجرائية التي يتعرض لها المحتجزون، وضمان احترام معايير المحاكمة العادلة؛ مراجعة العلاقة بين الدولة وشركات إدارة المنصات الرقمية، وضمان ألا تُستخدم هذه القنوات لتوسيع الرقابة على المحتوى أو تقييد الحق في التعبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *