نوفمبر 2, 2025
5

مصر مستمرة في تصعيد قمعها العابر للحدود 

تُعرب مؤسسة دعم القانون والديمقراطية عن إدانتها الشديدة لقيام قوات الأمن المصرية باعتقال السيد صبحي عيد (٦٣ عامًا)، والد الباحث سيف الإسلام، يوم الأربعاء ٢٢ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٥، عقب اقتحام قوة أمنية منزل العائلة في محافظة الإسكندرية، تلاها مداهمة منزل جدّه لوالدته البالغ من العمر ٨٢ عامًا، في انتهاك جسيم لحرمة المساكن المكفولة بموجب المادة ٥٨ من الدستور المصري، التي تحظر دخول المنازل أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب.

ومنذ لحظة القبض عليه، ما زال السيد صبحي عيد مختفيًا قسريًا، إذ لم تعلن السلطات عن مكان احتجازه أو تقدم أي مبرر قانوني لتوقيفه، في مخالفةٍ واضحةٍ لأحكام المادتين ٥٤ و ٥٥ من الدستور المصري، وأحكام المادة ٩ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن لكل فرد الحق في الحرية والأمان الشخصي. وتشير المؤشرات التقنية إلى أن هاتفه لا يزال متصلًا بالانترنت وتظهر عليه أنشطة قراءة الرسائل عبر تطبيق واتساب، ما يثير مخاوف جدّية بشأن سلامته واحتمال تعرضه لضغوط أو معاملة قسرية.

شهدت عائلة سيف الإسلام خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الانتهاكات الأمنية المتكررة، تمثّلت أولًا في مداهمة منازل الأسرة في الإسكندرية وكفر الدوار وترويع والدته المسنّة في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٢٢، ثم تكرّر الاستهداف في ٣٠ أبريل/نيسان ٢٠٢٥ حين احتُجز والده السيد صبحي عيد لمدة ١٨ يومًا خضع خلالها لتحقيقاتٍ تمحورت حول نشاط ابنه في الخارج. ويؤكد اعتقال السيد صبحي عيد مجددًا النمط المنهجي من القمع العابر للحدود، الذي تمارسه السلطات المصرية عبر الانتقام من المنتقدين في الخارج من خلال معاقبة ذويهم في الداخل.

واجه سيف الإسلام بدوره قيودًا قنصلية تعسفية؛ إذ رفضت السفارة المصرية في قطر عام ٢٠٢٣ تجديد جواز سفره تنفيذًا لتعليماتٍ من السلطات المصرية، مع إبلاغه بأن السبيل الوحيد للتجديد هو العودة إلى مصر، وهو ما يمثل حرمانًا غير مشروع من الحق في الوثائق والسفر، بالمخالفة للمادتين ١٢ و ١٣ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

يُذكر أن سيف الإسلام يعيش في المنفى منذ أكثر من سبع سنوات، وقد غادر مصر في ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١٩. وهو باحث وأكاديمي مصري حاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا. وقد اعتُقل سابقًا لمدة عامٍ وشهرٍ واحد على خلفية القضية رقم ٧٥٠ جنايات البحيرة لسنة ٢٠١٤، التي وُجهت له فيها اتهامات ذات طابع سياسي تتعلق بـ«تزعم تظاهرة، والانضمام إلى جماعة محظورة، واستعراض القوة، وحمل سلاح، وقطع طريق» — وهي اتهامات تستخدمها السلطات المصرية بانتظام لتجريم النشاط السلمي.

يُدير سيف الإسلام حاليًا بودكاست بعنوان “عنبر كله يسمع”، يستضيف فيه معتقلين سياسيين سابقين ليرووا تجاربهم مع الاعتقال والتعذيب والانتهاكات داخل السجون المصرية، في محاولة لتوثيق الذاكرة الجماعية لانتهاكات حقوق الإنسان وإبراز أصوات الضحايا.

تُعدّ مصر من أبرز الدول المنخرطة في ممارسات القمع العابر للحدود، عبر أنماطٍ متعدّدة تشمل الاعتقال التعسفي لأقارب الصحفيين والمعارضين، حجب وسائل الإعلام المستقلة والمنفية عن الجمهور المصري، استهداف الصحفيين ببرامج التجسس والمراقبة الرقمية، الحرمان من الخدمات القنصلية ووثائق الهوية، والاعتداءات البدنية والترهيب المستمر ضد النشطاء في الخارج — وهي انتهاكات سبق أن وثّقها خمسة من المقررين الخاصين بالأمم المتحدة في مراسلات رسمية تناولت قضية الصحفية بسمة مصطفى كنموذج على أنماط الاستهداف والترهيب التي تطال الصحفيين المصريين في المنفى.

وفي الآونة الأخيرة، اتخذت هذه الممارسات بُعدًا قضائيًا جديدًا من خلال توظيف الملاحقات القضائية الغيابية والاتهامات ذات الطابع السياسي كأداةٍ للترهيب والانتقام من المعارضين المقيمين في الخارج. وقد أدانت مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، إلى جانب ١٧ مؤسسة حقوقية، إحالة الأكاديمي المنفي الدكتور تقادم الخطيب إلى المحاكمة الغيابية ضمن القضية رقم ٢٩ لسنة ٢٠٢٥، كما صدر حكمٌ غيابيا ضد السياسي هشام قاسم في ١٤ مايو/أيار ٢٠٢٥، في استمرارٍ استخدام القضاء كامتدادٍ للأذرع الأمنية في الخارج، بما يقوّض الحق في المحاكمة العادلة المنصوص عليه في المادة ١٤ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

كما شملت الأساليب المستحدثة التوظيف غير المشروع للبعثات الدبلوماسية المصرية كأدواتٍ للقمع العابر للحدود، في انتهاكٍ صارخٍ لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام ١٩٦١. فقد كشفت تسريبات صوتية لوزير الخارجية بدر عبد العاطي عن توجيهاتٍ مباشرة لموظفي السفارات بـ«الاعتداء على المتظاهرين وإحضارهم للشرطة»، وقد أدانت ٢٠ منظمة حقوقية، من بينها مؤسسة دعم القانون والديمقراطية، في بيانٍ جماعى، هذا السلوك الذي يُقوّض جوهريًا مبادئ القانون الدبلوماسي الدولي. وقد تُرجمت هذه التوجيهات إلى اعتداءاتٍ موثقة في دولٍ عدة — من بينها الولايات المتحدة وهولندا والمملكة المتحدة — حيث تم الاعتداء على متظاهرين سلميين واحتجازهم بشكلٍ غير قانوني، إلى جانب تحريض مجموعات موالية للنظام على ترهيب النشطاء المصريين في الفضاءات العامة. ويمثل هذا النمط تصعيدًا غير مسبوق في استخدام الحصانة الدبلوماسية كغطاءٍ للإفلات من المساءلة، ويُضاف إلى منظومةٍ أوسع من الأساليب الانتقامية التي تُمارسها الدولة المصرية ضد المعارضين في الداخل والمنفى على حدٍ سواء.

تطالب مؤسسة دعم القانون والديمقراطية السلطات المصرية بما يلي:

  1. الإفصاح الفوري عن مكان احتجاز السيد صبحي عيد والإفراج عنه دون قيد أو شرط.
  2. وقف سياسة الانتقام الأسري ضد أقارب الصحفيين والباحثين والمدافعين عن حقوق الإنسان المقيمين في الخارج.
  3. فتح تحقيقٍ نزيهٍ ومستقل في وقائع الاقتحام والاحتجاز والاختفاء القسري، وضمان مساءلة جميع المسؤولين عنها جنائيًا.
  4. وقف إساءة استخدام القضاء وأجهزة الأمن كأدواتٍ للانتقام السياسي ضد المعارضين في الداخل والخارج.
  5. إلغاء الأحكام الغيابية والملاحقات القضائية ذات الطابع السياسي ضد النشطاء والمدافعين في المنفى.
  6. ضمان حق المصريين في الخارج في الحصول على وثائقهم الرسمية والخدمات القنصلية دون عراقيل أو تمييز.
  7. رفع أسماء المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان من قوائم الإرهاب، وإلغاء جميع الآثار القانونية المترتبة على إدراجهم فيها، بما في ذلك قرارات المنع من السفر وتجميد الأصول.
  8. الامتثال الكامل لالتزامات مصر الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، والإعلان الأممي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *